مركز “فاعلون” يعقد الدورة التكوينية الأولى حول مشروع (جرد التراث اللامادي الجزائري)
عقد مركز “فاعلون” للبحث في الأنثروبولوجيا والعلوم الإنسانية والإجتماعية الدورة التكوينية الأولى حول مشروع (جرد التراث اللامادي الجزائري) وذلك يوم السبت الموافق: 23-01-2021، حيث يندرج هذا النشاط ضمن برنامج المركز لسنة 2021، أدار فعاليات هذه الدورة التكوينية الدكتور مبروك بوطقوقة المشرف العام لمركز فاعلون، كما قام بتأطير والإشراف على الورشات التكوينية خبيرات اليونسكو في الجزائر الدكتورة لويزة غاليز باحثة في الأنثروبولوجيا في المركز الوطني للبحث في عصور ما قبل التاريخ والتاريخ والأنثروبولوجيا وخبيرة اليونسكو في التراث اللامادي، وكذا الدكتورة زهية بن عبد الله باحثة في الأنثروبولوجيا في المركز الوطني للبحث في عصور ما قبل التاريخ والتاريخ الأنثروبولوجيا وخبيرة اليونسكو في التراث اللامادي.
في البداية قام الدكتور مبروك بوطقوقة بافتتاح الدورة التكوينية أين رحب بجميع المشاركين في فعالياتها، مؤكدا على الأهمية البالغة لمغزى هذه الدورة والتي تسعى إلى الإسهام في تثمين التراث في الجزائر وذلك من خلال الإستثمار في مخرجات هذا المشروع الواعد عبر مختلف الأصعدة، ليعرج بعدها الدكتور مبروك بوطقوقة إلى إعطاء نبذة قصيرة عن مركز فاعلون، من حيث النشأة، التأطير القانوني، الأهداف وكذا مجمل الأنشطة التي قام وسيقوم بها فضلا عن مختلف الشراكات مع باقي الفاعلين في مجال البحث العلمي.
ليحيل بعدها السيد المشرف العام لمركز فاعلون الكلمة إلى الدكتورة لويزة غاليز للإنطلاق الرسمي والفعلي في فعالية الدورة التكوينية، حيث وبعد التعريف بنفسها انطلقت الدكتورة في عرض مداخلتها والتي أشارت إلى أنها ستسعى من خلالها إلى تبيان والإحاطة بكل ما تنتظره اليونسكو من عملية الجرد الثقافي اللامادي بالجزائر، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى الإشارة إلى ماذا قامت به الجزائر إلى حد الآن في هذا ال\ان، مع تبيان أهمية هذا العمل .
وقد أكدت الدكتورة لويزة غاليز أن الجزائر تعد من أهم الدول إفريقيا وعربيا والرائدة في مجال تسجيل العناصر التراثية، حيث أشارت الدكتورة إلى أنه وبالرغم من كل التهديدات التي يواجهها التراث لاسيما خلال فترة الحجر التي شهدتها الجزائر على غرار ما شهده العالم بأسره غير أن هذا الواقع أعطى للتراث بعضا من الحظ في تجسيد ممارساته على مستوى الأسر سواء ما ارتبط بالطبخ أو الخياطة، كما أن بعض مظاهر التراث مهددة بالإندثار لعدة اعتبارات وهو الأمر الذي دفع بالدكتورة إلى طرح التساؤل التالي : من المسؤول على حماية التراث من الإندثار بشكل رسمي وبطريقة تقنية وعلمية وحتى عالمية؟، وقد ساهمت الدكتورة من خلال مقدمة مداخلتها إلى تبسيط نظرة التراث بالقدر الذي سهل عملية إدراك مفهومه وأبعاده ومختلف مظاهره لدى المشاركين في فعاليات الدورة التكوينية،
و أعطت الدكتورة لويزة غاليز تعريفا مبسطا للتراث والذي يشير إلى أنه مجمل المعارف والأشياء والممارسات التي تقوم بها الجماعات والمجموعات بطريقة طبيعية وباعتزاز ، وهي متوارثة من الأجيال مع وجود الرغبة في توريثها للأجيال القادمة التي بدورها تملك الرغبة في تلقيها، لتعرج بعدها الدكتورة إلى التأطير القانوني للتراث اللامادي بالجزائر وذلك من خلال الإشارة إلى أهم النصوص القانونية ذات الصلة بالموضوع ، ويتعلق الأمر أساسا بالقانون رقم 98-04 الممضي في 15 يونيو 1998 المتعلق بحماية التراث الثقافي لاسيما المواد 67 و 68 منه، وكذا المرسوم التنفيذي رقم 03-325 الممضي في 05 أكتوبر 2003 الذي يحدد كيفيات تخزين الممتلكات الثقافية غير المادية في البنك الوطني للمعطيات.
كما بينت الدكتورة لويزة غاليز وبنوع من التفصيل أهم التقسيمات التي تميز التراث منها التراث الطبيعي والتراث الثقافي ، وهذا الأخير ينقسم إلى تراث مادي وتراث لامادي، مع الإشارة إلى الميادين الخمسة التي حددتها اليونيسكو وهي :
- التقاليد وأشكال التعبير.
- الفنون وتقاليد أداء العروض.
- الممارسات الإجتماعية والطقوس والإحتفالات.
- المعارف والممارسات المتعلقة بالطبيعة والكون.
- المهارات المرتبطة بالفنون الحرفية والتقليدية.
وبينت الدكتورة الطريقة المنتهجة من طرف المركز الوطني للبحث في عصور ما قبل التاريخ والتاريخ والأنثروبولوجيا وذلك في كيفية جرد التراث وذلك من خلال التنقل الميداني إلى عدة ولايات شملها عمل المركز وهي : المدية، برج بوعريريج، النعامة وسعيدة ، مع وجود ولايات أخرى في طور العمل على جمع وجرد التراث بها وهي : تلمسان، وهران وتيزي وزو.
كما أشارت إلى أن جوهر هذا العمل هو تسجيل عناصر التراث في قاعدة البيانات الخاصة بذلك بالشكل الذي يغذي ويثري هذه القاعدة، وقد عرجت إلى عد مجمل العناصر المصنفة التي سجلتها الجزائر على مستوى اليونيسكو على غرار “أهليل قورارة” المسجل سنة 2005، وكذا تسجيل الطقوس والمهارات المرتبطة بعادات لباس العروس التلمساني المسجل سنة 2012، فضلا عن تسجيل كيف ولماذا تصنع آلة “الإمزاد” الموسيقية، وغيرها من العناصر المسجلة.
وقد أكدت الدكتورة على أن عملية الجرد هذه وحتى لا تكون مجرد عملية جمع فقط، يجب أن تتوفر على جملة من الشروط التي تجعل منها عملا علميا بامتياز يخدم أهدافه المنشودة بكفاءة وفاعلية، لاسيما ما تعلق بضرورة تبيان وضمن البطاقات التقنية البعد المشترك والربط بين عناصر التراث عبر مختلف مناطق الوطن ، مع ضرورة تحديد قائمة المراجع .
وفي ختام مداخلتها، أشارت الدكتورة لويزة غاليز إلى السبب من وراء القيام بكل هذا العمل، والذي يتمحور أساسا حول تبيان وظهور كل ما تم تجسيده من أعمال جرد في الانترنت مع ظهور من قام به وكذا مصادره، فضلا عن تكفل الدولة بتجسيد قاعدة بيانات لكل ما تم جرده ، مع ضرورة تحيين البطاقات التقنية المنجزة.
تم بعدها إحالة الكلمة إلى الدكتورة زهية بن عبد الله، أين قامت بالتعريف بنفسها لتشير بعدها إلى محتوى مداخلتها التي تضمنت بطاقتان، أين تضمنت البطاقة الأولى حوصلة لتجربة في جمع التراث اللامادي لولاية المدية والمسماة حسب الدكتورة بالتجربة الرائدة وهذا لاعتبار أن ولاية المدية هي أول ولاية اشتغلت فيها في جمع التراث، خاصة وأن هذه الولاية تقع ضمن منطقة معروفة بطابعها التاريخي والمناخي وكذا اختلاف التركيبة الإجتماعية والمعروفة بمنطقة التيطري.
وقد أشارت الدكتورة زهية بن عبد الله إلى أن هذه الدراسة تدخل في إطار إتفاقية متعددة تندرج تحت مضلة عدة أطراف وهي بالأساس اليونيسكو، وزارة الثقافة الجزائرية، مديرية الثقافة لولاية المدية وكذا المركز الوطني للبحث في عصور ما قبل التاريخ والتاريخ والأنثروبولوجيا، خاصة وأن هذا الأخير مكلف من طرف الوزارة بجمع هذه المادة وتبويبها فيما بعد في بنك معلوماتي، وقد أكدت الدكتورة على أن هذه الدراسة تعتبر بحثا أكاديميا يتضمن بحثا مونوغرافيا موثقا بالصور والخرائط والأشرطة السمعية البصرية والمقابلات الميدانية.
كما بينت الدكتورة زهية بن عبد الله أهم المراحل الرسمية التي مرت عليها الدراسة والتي تمثلت أساسا في:
- مرحلة تحسس الميدان: من خلال الإتصال بالمخبرين والمرشدين وحاملي التراث، تحديد ما يستحق الأماكن والعادات والمعارف التي يجب حصرها، تحرير دليل المقابلة.
- مرحلة جمع المعلومات، تحرير بطاقات الحصر.
- تحرير المقرر الأخير وتثمين المعلومات بعد المصادقة عليها من طرف مديرية الثقافة لولاية المدية.
حيث أشارت الدكتورة إلى أن هذه الدراسة بولاية المدية امتدت على سنتين من الزمن (من ديسمبر 2012 إلى ديسمبر 2014)، وكان الهدف منها الحصر من خلال عمليات الجمع والنقل للموروث اللامادي، حيث ارتكز البحث ككل دراسة على العديد من الوثائق التاريخية والمراجع العلمية والثقافية، كما بينت الدكتورة إلى أن منهجية البحث ارتكزت على المقاربة الكيفية للميدان، حيث استعمل في ذلك دليل المقابلة الذي تضمن أسئلة موجهة وأخرى نصف موجهة أو مغلوقة.
قامت الدكتورة زهية بن عبد الله بعدها بعرض نبذة تاريخية عن تأسيس مدينة المدية، مع الإشارة إلى أهم خصائصها الثقافية مع التطرق إلى مختلف التقاليد والأعراف التي تؤثر فيها المحاذاة لأربع ولايات أخرى والتي تتشارك معها ثقافيا في العديد من الأعراف والتقاليد.
كما عرضت الدكتورة أيضا نتائج الدراسة التي خلصت إلى حصر حوالي 22 عنصر ثقافي وهي :
- الطريقة العيساوية.
- الإحتفال بوعدة الحناشة.
- الإحتفال بالناير.
- الأساطير والحكايات الشعبية.
- الممارسات المتعلقة بمنابع ومجاري المياه.
- العناية بالجسد وموادها.
- حمام الرويس (العريس).
- حرفة المجبود ولباس العروس
- طقوس الأمومة والولادة.
- طقوس الختان.
- آداب الجنائز.
- الأطباق والمأكولات اللمدانية.
- فنون صناعة المربى والحلويات التقليدية.
- مهارات رعاية وجني ثمار شجرة الكرز.
- شراب وحلوى العنب وصناعة الخل.
- المنسج والصوف والزربية.
- صناعة واستخدام الشكوة والقربة.
- حرفة الدوم.
- حرفة الجلد.
- أدوات السحق التقليدية وكيفية صناعتها واستخدامها.
- صناعة الفخار.
- صناعة الطين.
وأشارت الدكتورة زهية بن عبد الله إلى أهم العناصر الواجب البحث عنها في كل بطاقة والتي تمثلت أساسا في ضرورة وصف العنصر معرفة تاريخه واستعمالاته وفيما يفيد، فضلا عن كيف وصل وهل لا يزال ممارس وهناك طلب عليه، أو هو مهدد بالزوال، وفيما تتمثل هذه التهديدات إن وجدت، ومن يستخدمه، وهل يعمل المجتمع المدني على المحافظة عليه، وهل تحاول السلطات المحلية وضع استراتيجيات لصونه والمحافظة عليه، لتقوم بعدها الدكتورة وبنوع من التفصيل عرض مختلف العناصر التي شملتها الدراسة عنصرا بعنصر.
وفي ختام محاضرتها قدمت الدكتورة أربع توصيات مهمة أكدت على أن لها الدور الفعال في إنجاح مثل هذه الدراسات ويتعلق الأمر أساسا بـ :
- أهمية التسجيل.
- أهمية الصورة.
- أهمية احترام جداول المواعيد.
- أهمية التدوين المباشر واستعمال كناش العمل.
لتحال بعدها الكلمة إلى الدكتور مبروك بوطقوقة المشرف العام لمركز فاعلون، ليشكر بدوره الدكتورتين على محاضرتيهما القيمتين مشيرا إلى أن العرض كان مفيدا ومثمرا ليفتح بعدها المجال أمام الأساتذة الباحثين المعنيين بهذه الدورة التكوينية للمناقشة والإثراء، والذين قدموا تدخلات قيمة وإثراء يخدم موضوع الدورة المباشر.
وفي ختام الدورة قام الدكتور مبروك بوطقوقة إلى إعطاء عدة توصيات ترتيبية وتنظيمية حول كيفية سيرورة العمل على استكمال باقي محاور الدورة التكوينية استعداد لتجسيد مشروع الجرد، مع منح عدة روابط مهمة ذات الصلة بمحتوى الدورة وشاكرا الجميع على حضور الدورة.